سرد القرآن الكريم للهجرة النبوية و بداية ظهور الإسلام إلي النور
وقد سجل القرآن العظيم هذا الهجرة النبوية الشريفة بما يتضمن تأييد الله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام والتقبيح والنكير والوعيد لأكابر مجرمين قريش الذين اقترفوا هذا الجرم العظيم.
يوضح ذلك عدد من الآيات القرآنية:
كقوله سبحانه: ﴿ إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: ٤٠].
وقوله جلَّ وعلا: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [محمد: ١٣] .
وَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ [الأنفال: - ٣٠] .
وَقوله تَعالى: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلّا أنْ يَقُولُوا رَبُّنا اللَّهُ ﴾ [الحج: ٤٠].
وقوله تَعالى: ﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وإيّاكم أنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ﴾ [الممتحنة: ١].
وقوله تَعالى في إخْراجِهِمْ لَهُ: ﴿ ألا تُقاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أيْمانَهم وهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ ﴾ [التوبة: ١٣]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ العظيمة.
لا بُدّ قبل سرد أحداث قصة الهجرة النبوية الشريفة، الوقوف عند سعي النبي للتفكير بإيصال صوت الدين الجديد إلى أهل المدن والقبائل العربية التي تتوافد سنويًا إلى مكة للحج، وقد كان ممن رق قلبهم لكلام الله نفر من أهل يثرب بايعوا النبي بعد عام بيعة العقبة الأولى وهم اثنا عشر رجلًا، فأرسل معهم من يعلّمهم أمر دينهم، ثم أتوا إليه في العام التالي وقد صاروا بضعًا وسبعين
لم يبقى في مكة إلّا النبي ينتظر الأمر من الله ومعه أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وقد تقصّد النبي تأخير أبا بكر ليكون صاحبه في السفر، وفي الليلة التي أذن الله بها لنبيه كانت قريش في اجتماع دار الندوة، وقد اتخذوا قرارهم بقتل النبي، واتفقوا أن يأخذ شاب من كلّ قبيلة من قريش سيفًا يضرب به النبي ليتفرّق دمه بين القبائل، فحاصروا بيته، لكنّ الله أعمى أبصارهم، فلم يروه وهو يخرج ويحثوا على وجوههم التراب تاليًا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}،[٣] فلما استفاقوا دخلوا، فوجدوا علي بن أبي طالب في فراشه فتركوه.[٢] جهّز أبو بكر راحلتين، فدفعهما النبي إلى عبد الله بن أريقط على أن يوافيهم عند غار في جبل ثور؛ حيث مكث النبي ثلاثة أيام ينتظر أن يهدأ بحث قريش عنه، وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهم بالأخبار، وعامر بن فهيرة مولى الصديّق يرعى الغنم بعد مرور عبد الله ليعفي أثره، وأسماء بنت أبي بكر تأتيهم بالطعام، ويذكر في خبر الغار قول أبي بكر "قلْتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونحنُ في الغارِ: لو أنَّ أحَدَهُم يَنظُرُ إلى قدَمَيهِ لَأَبصَرَنا تحتَ قَدَمَيهِ، قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا أبا بكرٍ، ما ظَنُّكَ باثنَينِ اللهُ ثالِثُهُما؟"،[٤] وفي هذه الحادثة قال الله: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}،[٥] ويختلف الرواة في صحة خبر نسج العنكبوت على باب الغار وتعشيش الحمامة فمنهم من ضعفه ومنهم يقول بصحته.[٢] وفي قصة الهجرة النبوية الشريفة حدثت مع الرسول في طريق هجرته عدّة معجزات، منها قصة سراقة بن مالك الذي تتبع أثر النبي طمعًا بجائزة رهنتها قريش لمن يأتي بمحمد قيمتها مئة ناقة، فكان سراقة كلما وصل إلى النّبي غارت قدما فرسه، وطاح على الأرض إلى أن وعده النبي بأن يلبس سواري كسرى، وهو ما تحقق لاحقًا في زمن خلافة عمر بن الخطاب، ووصل النبي المدينة ليلقى المهاجرين والأنصار بانتظاره.[٢] نتائج الهجرة النبوية لا بُدّ بعد سرد أحداث قصة الهجرة النبوية الشريفة أن تُذكر نتائج هذه الهجرة الميمونة وانعكاسها على واقع البعثة المحمدية، وقد بدأت مباشرة بالظهور بعد وصوله عليه الصلاة والسلام؛ حيث أُطلق على يثرب اسم المدينة المنورة، ومن أهم نتائج الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة ما يأتي:[٦] البدء بإقامة الدولة الإسلامية على أساس المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين ليكونوا بذلك مجتمع المساواة والعدالة. ارتياح المسلمين في المدينة من أذى قريش، حيث بدأوا بالتفكير في توسيع دولتهم. السعي للقضاء على الضغائن التي سادت بين قبائل العرب قبل الإسلام في طريق توحيدها تحت لواء الإسلام. انتشار الإسلام الواسع الذي أدى في النهاية إلى فتح مكة ودخول شبه الجزيرة العربية في الإسلام.
تعليقات
إرسال تعليق